مرّت عليّ كلمة "تَنَمُّر" وتعرفت عليها أول مرة قبل سنتين أو ثلاث هنا في مواقع التواصل الإجتماعي، فجأةً، ومنذ ذلك الوقت ألاحظها تتردد في كل مكان من برامج تلفزيون إلى نشرات الأخبار ولقاءات الأصدقاء وصولًا لتغريدات تويتر ومنشورات فيسبوك وأخيرًا مسلسلات رمضان.
يزعجني الزج المبالغ به لهذه الكلمة في كلّ نصٍ وتعليق، ويستفزّني أكثر استخدامها لوصف كلّ فعلٍ قبيح حتى أصبحت الكلمة أداةً يستخدمها كثيرٌ من الكتاب والمدونين بجهل لتزيين كلامهم.
بل أن البعض ذهب لتفريع مصطلحات منها مثل التنمر السياسي والتنمر الاقتصادي والتنمر العسكري وما إلى ذلك.
شخصيًا، لم أسمع بهذه المصطلح أبدًا طيلة فترة دراستي المدرسيّة والجامعيّة، لا في مادة اللغة العربية ولا في الإجتماعيّات ولا في أّي مكانٍ آخر، دخلت قاموسنا فجأة وأحدٌ لم يأخذ رأينا في مصطلحٍ جديدٍ علينا، ولم نُعطَ فرصة كي نناقش أسباب إقحام الكلمة هذه بالذات علينا دون غيرها، والتركيز عليها في جميع وسائل الإعلام.
عند البحث عن الجذر الثلاثي لهذه الكلمة تجده في كثير من القواميس "نَمَرَ" أي من حيوان النمر، وكلمة تنمّر تعني بالضبط حسب قاموس المعاني: غَضِب وسَاء خُلْقُه وتشبَّه بالنَّمِر في لَوْنه، يترجمه البعض للإنجليزية Bullying لكن عملية إعادة ترجمة المصطلح للعربية تعطينا نتيجة "تَسَلُّط أو بَلَطَجَة".
الغريب أن استخدامنا للمصطلح ينطوي على عددٍ هائل من المعاني، فالإستهزاء من الشكل أو الحجم تنمر وإثارة خوف شخص أو إرهابه تنمر والاعتداء بالضرب أو الشتيمة تنمر وسرقة ممتلكات شخص تنمر واستبعاد شخص أو مجموعة من المشاركة في نشاط هو أيضًا تنمر وإجبار شخصٍ على فعلٍ ما كذلك تنمر، وكثير من الاستخدامات.
لو دققنا نجد أن جميع التصرفات أعلاه لها صفات في العربية تعبر عنها بدقة كأن نقول سارق، مُتكبر، مُستَقوي، مُهَيمِن أو ظالم. فلسنا بحاجةٍ لمصطلحٍ فضفاض إلى حدّ يجعله قادرًا على احتمال هذا الكمّ الهائل ممّا يمكن أن يُدرج تحته.
ولعلي أكتب هذا لإظهار توجّسي وغيرتي على قاموس اللغة العربيّة الواسع والغني، من إقحام مصطلحاتٍ جديدةٍ لم نكن نسمع فيها ولا فائدة منها، فما الذي يجعلنا نتقبّل إضافاتٍ جديدةً لقواميسنا التربويّة والأخلاقيّة؟